الوهابية واعمال العقل
فى القرن الثامن عشر نشأت الوهابية وشاعت بقيادة محمد بن عبدالوهاب (1703- 1791) المولود فى بلدة العينية القريبة من الرياض. بدأ فى نشر دعوته فى عام 1730 وهى دعوة تلتزم التفسير الحرفى للنص الدينى دون معونة من إعمال العقل. وهذا الالتزام هو ما كان قد التزم به ابن تيمية (1263 – 1327) إلا أنه أدار هذا الالتزام حول إنكار المنطق والفلسفة، بدعوى أن المنطق شر البلاء المستطير، إذ هو مدخل الفلسفة، والفلسفة هى أخطر أعداء العقيدة الإسلامية. وقد استجاب الأمير محمد بن سعود لهذه الأفكار، فعقد مع محمد بن عبدالوهاب ميثاقاً ليلزما به مَنْ جاء بعدهما باتباعه. وهذا ما حدث بالفعل لحركة الإخوان المسلمين بقيادة حسن البنا التى تأسست عام 1928. ثم جاء سيد قطب مؤيدا لحسن البنا فاتهم الثقافة الغربية بالجهل، لأنها دعت إلى الإصلاح الدينى والتنوير. ولهذا حرص المسلمون على القضاء على هاتين الحركتين بالحروب الدينية وليس بالوسائل السلمية.
واللافت للانتباه أن ليس ثمة حركة أخرى إسلامية فى مواجهة الوهابية المستندة إلى ابن تيمية. فالحركة التى كان من الممكن لها أن تقف فى مواجهتها هى الحركة الرشدية المستندة إلى فلسفة ابن رشد. إلا أن ابن رشد كان محاصراً من اثنين أحدهما جاء قبله وهو الغزالى والثانى جاء بعده وهو ابن تيمية، إذ عارض كل منهما مشروعية إعمال العقل فى النص الدينى، وذلك لرفضهما الفلسفة. فالأول ألف كتابا عنوانه «تهافت الفلاسفة» ويدور على تكفير الفلاسفة المسلمين، وكان تكفيره لهم مردوداً إلى أنهم أنصتوا إلى فلاسفة اليونان. يقول الغزالى: «وإنما مصدر كفرهم سماعهم أسماء هائلة كسقراط وأفلاطون وأرسطو وأمثالهم... وحكايتهم عنهم أنهم مع رزانة عقولهم وغزارة فضلهم منكرون للشرائع والنحل وجاحدون لتفاصيل الأديان والملل، ومعتقدون أنها نواميس مؤلفة وحيل مزخرفة. فلما قرع ذلك سمعهم ووافق ما حكى من عقائدهم طبعهم تجملوا باعتقاد الكفر».
أما الثانى فقد ألف كتاباً عنوانه «درء تعارض العقل والنقل» ينقد فيه ابن رشد فى تقديمه العقل على النقل عند التعارض وذلك لأن الأصل هو النقل وليس العقل. ولهذا ليس ثمة مبرر للتأويل على نحو ما يريد ابن رشد، وهو إخراج المعنى الباطن من المعنى الظاهر للنص الدينى. وهكذا أُجهض ابن رشد فى العالم العربى لأنه أعطى الأولوية لإعمال العقل أو بالأدق لسلطان العقل الذى هو من أسس التنوير، أيا كان هذا التنوير غربيا أو غير غربى. وهذه رؤية كان يقصدها ابن رشد فى القرن الثانى عشر عندما ارتأى أنه لا إجماع مع التأويل ومن ثم لا تكفير مع التأويل، وبذلك تنفجر الطاقة الإبداعية عند الانسان فيبدع فى جميع مجالات المعرفة، ومن ثم يسهم فى تخصيب الحضارة الإنسانية لأن هذه الحضارة ليس فى الإمكان تخصيبها من غير إبداع. أما ابن تيمية فيقول عن الإبداع إنه مشتق من بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار.
د مراد وهبة
No comments:
Post a Comment