كنا ذات يوم ثلاثة فى مهمة عمل فى صعيد مصر، وقد
اوشكت الرحلة على الانتهاء ووصلنا الى الطريق شبه الصحراوى الغربى للنيل فى تخوم محافظة قنا. ودرجة الحرارة كالمعتاد فى هذه المنطقه تكاد تقترب من الخمسين درجة مئوية او يزيد، او هكذا احسسنا بها عندما اضطرتنا الظروف لتغيير اطار السيارة، الذى كان قد خلا من الهواء اللازم لمواصلة السير واضطررنا الى الخروج من السيارة حتى ينتهى السائق من تغيير العجلة الاحتياطية او (الاستبن) ..
اوشكت الرحلة على الانتهاء ووصلنا الى الطريق شبه الصحراوى الغربى للنيل فى تخوم محافظة قنا. ودرجة الحرارة كالمعتاد فى هذه المنطقه تكاد تقترب من الخمسين درجة مئوية او يزيد، او هكذا احسسنا بها عندما اضطرتنا الظروف لتغيير اطار السيارة، الذى كان قد خلا من الهواء اللازم لمواصلة السير واضطررنا الى الخروج من السيارة حتى ينتهى السائق من تغيير العجلة الاحتياطية او (الاستبن) ..
وواصلنا السير بعد ذلك فى هذا الجو الخانق الحارق الذى يكاد يشوى الوجوه (خارج السيارة فقط طبعا) ... وكنا نتجاذب اطراف الحديث، وكنا نؤكد لبعضنا البعض انه لولا خطورة و اهمية المهمة الموكلة الينا لما كنا لنفكر ابدا فى الخروج من بيوتنا فى مثل هذا الجو، خاصة ونحن صائمون فقد كان ذلك خلال شهر رمضان ..
والحق يقال ان السائق ايضا حاول جاهدا ان يصل الى نهاية الرحله قبل موعد الافطار او قبيل غروب الشمس و لكن لظروف الطريق و ضيقه احيانا ووعورته احيانا أخرى و اضطرار السائق الى ان يهدئ من سرعته مرات عديدة ... مما حال دون تحقيق هدفه النبيل.
وكانت النتيجة ان حل علينا وقت المغرب ولازال امامنا بعض الوقت للوصول الى نهاية الرحلة ... فتوقفنا فى الطريق عند قرية صغيرة متاخمة للجبل. وقد كنا نحمل معنا بالسيارة الكثير من المياه المثلجة والاطعمة اللازمة للافطار، جلبناها معنا من القاهرة ... ولكن المشكلة لم تكن لا فى الطعام و لا فى الشراب، ولكن المشكلة كانت فى المكان الذى وصلنا اليه وقد حان وقت الصلاة ... و لم نرى فى الافق اى اثر لمسجد او حتى زاوية قريبة ... ودخلنا فى وقت الصلاة .. ففكرنا ان نصلى على الارض مفترشين بعض اوراق الصحف عوضا عن المسجد او الزاوية ... ولكن ظهرت فى الافق مشكلة ثانية اخطر و قد يصعب حلها وهى حاجتنا الى الماء للوضوء، او الى مكان نتوضأ فيه حتى نتمكن من اللحاق بالمغرب ... لأن المغرب غريب كما يقول اجدادنا ..
ووقفنا فى حيرة من امرنا الى أن بدد حيرتنا ظهور رجل متوسط العمر ... قصير القامة الى حد ما .. عارى الرأس ... اسمر البشرة ... جاد الملامح وشعره يشوبه بعض البياض وكان يسير وحيدا على قارعة الطريق ويمسك بيده عصا صغيره يضعها تحت ابطه ممسكا بحافتها مثل القادة العسكريين .. وكان فى عجلة من امره ويسير فى خطى سريعه كمن يريد اللحاق بأمر جلل.
استوقفناه سائلين عن اى مكان قريب نتمكن من الوضوء فيه من اجل اللحاق بالصلاه ... فغير الرجل من وجهته الذى كان ينتوى السير فيها وتخلى عن الصرامه التى رسمت على وجهه وحل محلها بشاشة و ترحاب كبيرين، و كأنه كان ينتظرنا لمساعدتنا. ولكنه مع هذا قليل الكلام او يكاد يكون عديم الكلام ... مما اضفى بعضا من الغموض على شخصيته ... ومع هذا قررنا مجبرين على ان نتبعه الى المكان الذى اشار اليه دون معارضه ... واحترمنا صمته ولم نزعجه بالاسئلة. وهو بدوره لم يقل لنا سوى جملة واحده طوال الطريق : اتفضلوا يا بهوات ... يا مرحبا يادى النور ... وسرنا خلفه فى درب ضيق متعرج و منحدر ثم دلف بنا يمينا.
فجأة و بدأ الظلام فى مد استاره علينا ولم نكن لنتبين شكل و لون حوائط الجدران الضيقة جدا والتى تكاد تنطبق علينا .. و لاندرى لماذا هذا الضيق فى هذه الاراضى الصحراوية الشاسعة، ربما كان هذا يعكس نوعا من الحميمية بين افراد هذا المجتمع الى حد التصاق البيوت بعضها ببعض ... و الطرق ضيقه جدا لدرجه انها لا تسمح لشخصين اثنين بالسير جنبا الى جنب، علاوة على انحدارها بعض الشئ ... مما جعلنا نسير خلفه فى طابور، وكأننا فى ثكنة عسكرية نؤدى بعض التمارين الاجبارية والخطوة السريعة والمعتادة ..
سرنا فى صمت مطبق لا نسمع فيه الا اصوات اقدامنا وفى اعتقاد كل منا انه يسير بنا الى مسجد قريب او الى زاوية صغيرة هنا او هناك. ولكن رغم كل هذا السير لم تظهر فى الافق اية شواهد او علامات لوجود ذلك المسجد المرجو او تلك الزاوية المنشودة الا فى مخيلتنا فقط .. وبدأ الشك و الخوف و الحيرة والتأفف والضجر وشعور هو خليط مكون من كل هذه الاحاسيس يتغلغل فى نفوسنا بالاضافة الى تساؤل صامت خفى .. ترى الى اين يأخذنا ذلك الرجل ؟!!
سرنا فى صمت مطبق لا نسمع فيه الا اصوات اقدامنا وفى اعتقاد كل منا انه يسير بنا الى مسجد قريب او الى زاوية صغيرة هنا او هناك. ولكن رغم كل هذا السير لم تظهر فى الافق اية شواهد او علامات لوجود ذلك المسجد المرجو او تلك الزاوية المنشودة الا فى مخيلتنا فقط .. وبدأ الشك و الخوف و الحيرة والتأفف والضجر وشعور هو خليط مكون من كل هذه الاحاسيس يتغلغل فى نفوسنا بالاضافة الى تساؤل صامت خفى .. ترى الى اين يأخذنا ذلك الرجل ؟!!
الوقت يمر ... و الظلام يحل رويدا رويدا وكأنه لص يتسلل بين ظهرانينا والمغرب غريب كما يقولون ... وقد يفوتنا موعد الصلاة ... ومر على الاذان وقت ليس طويلا و لكنه يمر علينا و كأنه دهر ... وفجأة توقف الرجل الغامض الصامت امام مبنى صغير مكون من دورين بالطوب النيئ (اللبنى) ومدهون بالجير بلون فاتح لعله اصفر و محاط بخطوط طولية وعرضية لعلها كما رأيتها عندما فتح الباب، وتسرب بعض الضوء عليها فوجدناها باللون الازرق الفيروزى شأنه شأن الكثير من البيوت الريفية فى دلتا مصر و صعيدها ..
وفتح باب قاعه فى خلفية الدار، واشار الينا بالدخول ... فدخلنا ففتح لنا بابا لدورة مياة صغيرة متواضعة ولكنها نظيفة ومرتبه وبها كل ما نحتاجه للوضوء، واسرع واحضر منشفة نظيفة.
وفتح باب قاعه فى خلفية الدار، واشار الينا بالدخول ... فدخلنا ففتح لنا بابا لدورة مياة صغيرة متواضعة ولكنها نظيفة ومرتبه وبها كل ما نحتاجه للوضوء، واسرع واحضر منشفة نظيفة.
ووقف امامنا ينتظر الواحد منا تلو الاخر ليعطيها له بعد انتهاء الاول من الوضوء ... وكرر هذه المسألة مع ثلاثتنا ... و توضأنا جميعا فى صمت. و عندما خرج آخرنا من دورة المياه و جفف يده ووجهه بنفس الفوطة، رغم تحفظنا وتأففنا من ذلك ... ولكن لابد وان نحترم رغبة الرجل الذى يقف زنهارا يراقب ما نفعل .. ووقفنا للحظات ينظر كل منا الى الاخر متسائلا فى صمت، ثم ادرنا وجوهنا نحو الرجل دفعة واحدة وكأننا نسأله ماذا بعد ... اين يمكننا ان نصلى ؟ .. اين ؟
ولكن ودون ان ننبس ببنت شفه .. ادرك الرجل ذلك بفطنته، وقال فى صوت قاطع لصمتنا وناهيا بذلك المشكلة : صلوا هنا يا بهوات و باركونا، ثم احضر من ركن من اركان الغرفة حصيرة بلاستيكية نظيفة وكبيرة و اشار لنا إلى جهة القبلة ... واذنت انا للاقامة واصطففنا وتلفتنا فيما حولنا لنسأل هذا الرجل ان يؤمنا فى الصلاة ... لانه مضيفنا اولا، ثم انه ايضا يكبرنا فى السن .. ولكنه كما يقولون فص ملح وذاب، واختفى فى الحجرات المجاورة ولم يظهر ثانية ... الا بعد ان انتهينا من الصلاة التى اديناها على عجل ولم نصبر على انتظاره خوفا من الدخول فى وقت صلاة العشاء ... وهممنا بالخروج لنستكمل رحلتنا و نأكل و نشرب ما جلبناه معنا فى السياره التى اصبحت بعيدة عنا الى حدا ما ..
وانتظرنا قليلا لنستأذن الرجل فى الرحيل ولكنه عندما ظهر مرة اخرى و احس اننا نستعد للرحيل صاح قائلا : لايمكن ابدا تخرجوا قبل ما تجرحوا صيامكم ... ده يبقى عيب قوى فى حقنا.
وانتظرنا قليلا لنستأذن الرجل فى الرحيل ولكنه عندما ظهر مرة اخرى و احس اننا نستعد للرحيل صاح قائلا : لايمكن ابدا تخرجوا قبل ما تجرحوا صيامكم ... ده يبقى عيب قوى فى حقنا.
ووقف امام الباب معترضا و قد رسمت على وجهه صرامة شديدة و لسان حاله يقول : هذه دعوة مؤكدة لتناول الطعام وليست عزومة مراكبيه ولا مجال لرفضها بأى حال من الاحوال ..
وما كنا لنرفض دعوته الكريمة و نجرح كبرياؤه ونقلل من قدره بين جيرانه اذا شاهدنا احدا من جيرانه خارجين من منزله فى مثل هذا الوقت وقت الافطار دون تناول الطعام ...
وما كنا لنرفض دعوته الكريمة و نجرح كبرياؤه ونقلل من قدره بين جيرانه اذا شاهدنا احدا من جيرانه خارجين من منزله فى مثل هذا الوقت وقت الافطار دون تناول الطعام ...
هذ ابالضبط ما شرحته لمرافقى فى صوت خفيض لاقنعهما بالبقاء وتناول الطعام حفاظا على مشاعر الرجل .. ورضخنا لرغبته، فأ دخلنا الرجل الى غرفة مجاورة و ارتشفنا بعضا من المشروبات التى قدمها لنا الرجل، بعد ان اعدها على عجالة، والتى لا ادرى ماهيتها الى الان و لكنها كانت لذيذة وذات مذاق فريد و روت عطشنا وبلت عروقنا ... ثم اكلنا دجاجا محمرا طازجا وارزا معمرا دافئ، وهو اى (الارز ) على مايبدو كان معدا من قبل لاناس غيرنا ... وما يؤكد وجهة نظرنا ان الدجاج كان طازجا و ذبح خصيصا لنا فور وصولنا .... هوأن زميلاى قد لاحظا على ملابس الرجل حين عاد الينا بعد الصلاة كانت تحمل بعضا من بقايا دماء خفيفة وبعضا من الريشات الصغيره او الزغب الذى يكثر تحت رقبه الدجاج .. و هذا يعنى ان الرجل كان مشغولا عنا و لم يصل معنا لانشغاله بالذبح او بالمساعدة فى الذبح و تحضير الطعام ... وهذا مجهود يشكر عليه على كل حال ..
وبعد الانتهاء من تناول الطعام سريعا واصبحنا و كأننا قد تعودنا على البيت و اصبح بيننا وبينه الفة غريبة ومحببه ... اخذ كل منا من تلقاء نفسه طريقه الى دورة المياة السابقة، والتى توضانا بها من قبل وغسلنا ايادينا و حمدنا الله و شكرنا للرجل كرمه و سعة صدره ... ذلك الرجل الذى كان يسرع الخطى عندما قابلناه ... نراه الان قد نسى الامر كلية ... و صب كل اهتمامه علينا و على اكرامنا.
وعندما رآنا الرجل نستعد للخروج لم يعطنا الرجل الفرصة هذه المره للهرب او لمواصلة الرحلة .., فقد امسكنى من يدى وقال مخاطبا الجميع فى تحد واضح و ثقة وفخر وزهو و ود او خليط من كل هذا معا : دلوقتى بقى جه دور الشاى بعد الاكل ..
وعندما رآنا الرجل نستعد للخروج لم يعطنا الرجل الفرصة هذه المره للهرب او لمواصلة الرحلة .., فقد امسكنى من يدى وقال مخاطبا الجميع فى تحد واضح و ثقة وفخر وزهو و ود او خليط من كل هذا معا : دلوقتى بقى جه دور الشاى بعد الاكل ..
ولم نستطع ان نقاوم او نرفض كل هذا الكرم الفياض ... كل هذا و لازالت علامات استفهام كبيرة تدور فى روؤسنا جميعا ... لماذا لم يشاركنا الرجل صلاتنا ؟ ..هل فعلا لانشغاله بأعداد الطعام ؟ ام ترى ايكون قد صلاها عند حلولها فى وقتها ؟ و الى اين كان يذهب هذا الرجل فى موعد كهذا ؟! ... و لكن لكى نستريح من هذ التساؤلات فقد اختار كل منا السبب الذى يستريح له قلبه وانا شخصيا و بعد مونولوج طويل مع نفسى استرحت الى ان اشتراكه فى اعداد الطعام هو ما منعه من مشاركتنا الصلاه ... وايا كان السبب فهو ليس مهم الان .. خاصة و اننا لم نرى من الرجل الا كل خير و كرم و هذا يكفى ... و بعد انتهاءنا من الاغتسال دلف بنا الرجل الى غرفه اخرى مقابله للغرفه التى اكلنا بها و سماها هو الصالون و حين فتح الباب رأينا بها صالونا ضخم او تلك الكراسى الوثيرة المطليه بالذهب والمغطاه بالمخمل الاحمر ... سمينا الله و دخلنا جميعا. و ما ان دخلت الغرفه و نظرت يمينى حتى تسمرت مكانى بحيث سددت الباب على الاخرين .. فقد كانت المفاجأه
رايت شيئا ما .. فسر لى الكثير من الغموض و التساؤلات الحائرة ... ولم يتمكن زملائى من الدخول لوقوفى متسمرا بمدخل الغرفه .. الى ان افاقنى صوت زميلى .. و اخرجنى من غفوتى سائلا : فيه حاجه وقفت ليه ؟! .. فتداركت الامر بسرعة و دخلت ... و القيت بجسدى المنهك و عقلى الحائر ودهشتى على احد تلك الكراسى الوثيرة، و كذلك فعل زملائى مثلما فعلت تماما ... وساد صمت طويل وحوار عميق صاخب ولكن بدون صوت ... حوار بالاعين .. وكأنما يقول كل منا للاخر كيف فاتنا هذا !!! ..
كان من المفروض ان ندرك هذا لأول وهله ونستنتج ذلك من البداية ... وان لم يكن ليغير هذا فى شئ سواء عرفنا ذلك ام لم نعرف ...و لكن كيف فاتنا هذا ؟!! ....
ترى ... ماذا رآيت حينما استدرت يمينا و انا ادخل الحجره وجعلنى اتسمر مكانى ... رأيت صورة كبيرة للسيدة العذراء مريم البتول تحتضن وليدها السيد المسيح عليه السلام ...
عرفتم و عرفنا معكم اين كنا نحن ؟ ...كنا وبكل الحب فى بيت مواطن مصرى اصيل
تحياتى..
عرفتم و عرفنا معكم اين كنا نحن ؟ ...كنا وبكل الحب فى بيت مواطن مصرى اصيل
تحياتى..
محمد
No comments:
Post a Comment